الأحد، 14 أكتوبر 2012

الانكار العلني على الحاكم ... شعيرة من شعائر الاسلام


الانكار العلني على الحاكم ... شعيرة من شعائر الاسلام
اعداد : محمود الانصاري

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل امة محمد خير امة بين الأمم  ، وكفلها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصلاة والسلام على سيدنا محمد خير من أمر بالمعروف ونهي عن المنكر اللهم صلى عليه صلاة ما ذكره الذاكرين وغفل عنه الغافلون اللهم صلى عليه وعلى اله وصحبة من سار على سنته إلي يوم الدين .
مما يثار بين أوساط طلبة العلم مسالتين انقسم فيما فريقين وبدا كل منها يدلي بما عنده من الأدلة التي يقوى حجته وقوله  ، ومن تلك المسائل الاولى مسألة  تتعلق بإنكار العلني على الحاكم  ، ومسالة الثانية تتعلق  بالمظاهرات والاعتصامات كوسيلة لإنكار المنكر ، و قد بدا  بعض العلماء المجتهدين الذين حرموا الانكار العلني على الحاكم والمظاهرات واعتبروا ذلك من المخالفات الشرعية واعترفوا ان هذة المسالة مسالة خلاف بين العلماء والفقهاء فكان التحريم مبنيا على ذلك ، وهم في هذا الحالة مجتهدين قد يصيب العالم وقد يخطأ ، ولا يعنف من خالفهم في اراءهم لانهم يعتقدون ان تلك المسائل تندرج تحت باب الخلاف بين العلماء فهو مسالة خلافيه ،
اما المصيبة التي اصابة الامة في مقتلها وكتوت من نارها حتى ظهر لنا علماء السلاطين ووعاظهم ومن سائر على طريقتهم الذين يتبعون ما يقول به السلطان فمتى قال السطان ان تلك المسالة حلال احلوا وان كانت تلك المسالة في حقيقتها من المحرمات !!! فهولاء المجرمين مرجعيتهم بلاط السلطان وليس الكتاب والسنة !!! .
 فهم لا يكتفون  بتوضيح اراءهم  بل يهاجمون كل من خالفهم ويصفونهم بصفات ما انزل الله بها من سلطان ، ونرى الذين حرموا الانكار على الحاكم  استدلوا بالأدلة لا تنطبق على الواقع ، وعللوا بالعلل ليس لها علاقة بالموضوع وإنما هي استنتاجات واهية تخدم اهداف الحاكم الظالم الجائر .
لكي ناقش هذه المسالة  لا بد من تعريف من هو الحاكم الشرعي وما هو شروطها وكيف تنعقد الولاية له ؟
مفهوم الحاكم  او الخليفة  او رئيس الدولة   في السياسة الشرعية في الإسلام هو فرد عادي من الأفراد ، لا يمتاز على أحد منهم إلا بثقل المسؤولية وعظيم الالتزام بحفظ الحقوق و بأداء الواجبات تجاه الأمة ،  فلا حصانة ولا قدسية ولا ميزة تعلو به أو تخرجه عن كونه وكيلا عن الأمة اختاره المسلمون لكي يحقق إقامة الشرائع والشعائر وإقامة العدل والقيام بالقسط  (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) ، ولذا كان القضاة في صدر الإسلام ينظرون في القضايا التي يكون فيه الخصوم من الخلفاء الراشدين  فكلهم سواية امام القضاء الشرعي وامام حكم الله عز وجل لا فرق بين حاكم او محكوم ، فالحاكم إذن في الإسلام ما هو إلا وكيلا عن الأمة التي أعطت له التفويض لإدارة شئون الأمة ويحقق للأمة أن تسحب الوكالة منه متى ما انحرف عن طريق الحق واتبع هوى ، واخذنا هذا المفهوم العظيم من كلام وسيرة سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم  ، وها هم الخلفاء الراشدون ساروا على سنة الرسول الاعظم فهم  يشترطون لطاعة الناس لهم أن يطيعوا الله في سيرتهم  العامة ، لأنه ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، ويتحقق هذا المعنى العظيم عندما تولى سيدنا ابو بكر الصديق الخلافة فقال (اما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوى فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ) الله اكبر ما اجمل تلك المعاني العظيم الذي ساقها خليفة رسول الله ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، اين حكام اليوم الذين ضربوا شريعة الله عرض الحائط  فلا حول ولا قوة الا بالله العظيم ،  وكان عمر رضي الله عنه  يقول: 
( ألا وإني والله ما أرسلت عمالي ليضربوا أبشاركم –أجسادكم- ولا ليأخذوا أموالكم. ولكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم وسننكم . فمن فعل به سوى ذلك فليرفعه إليً . فو الذي نفسي بيده إذن لأقصنه. فوثب عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين! أفرأيت إن كان رجل من المسلمين على رعيته، فأدًب بعض رعيته، إنك لمقصه منه؟؟  قال عمر: إي والذي نفس عمر بيده، إذن لأقصنه منه، إني لأقص منه. وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه.  ثم قال رضي الله عنه: ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتكفروهم) .
فانظر كيف هي نظرة الخلفاء الراشدين للأمة، وانظر كيف كانت رعايتهم للمسلمين، وكيف كان حرصهم على صون كرامتهم، فو الله شتان بين الامس واليوم حكام اليوم اذلوا شعوبهم ونهبوا خيراتهم فالى الله المشتكى .
وأما شروط التي تجب توافرها في الحاكم هي :
1-  الإسلام :
و يجب أن يكون الحاكم مسلماً ، فالإمام يقوم بحراسة الدين، والإسلام شرط في كل ولاية عامة ، فإن كان الإمام كافراً أو منافقاً أو مشكوكاً في إيمانه ، فإنه لا يصلح لهذه الإمامة.  فلا تصح ولاية الكافر مطلقاً ، ولا تجب طـاعته ، وكذلك المشكوك في إيمانه  ، أو قد يكفر بارتكاب نواقض الإسلام .  قال تعالى ( وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا) .
والحكم هو أقوى سبيل للحاكم على المحكوم، والتعبير بـ ( لن ) المفيدة للتأبيد قرينة للنهي الجازم عن أن يتولى الكافر حكماً على المسلمين، وما دام الله تعالى قد حرَّم أن يكون للكافرين على المؤمنين سبيل، فإنه يحرُم على المسلمين أن يجعلوا الكافر حاكماً عليهم – كما أن الحاكم هو وليّ الأمر، والله سبحانه وتعالى قد اشترط أن يكون وليّ أمر المسلمين مسلماً . وقد  ظهر علينا شخص معتوه بوق من ابواق السلاطين  ، ادعى  زورا وبهتانا أن باول بيرمر الحاكم العسكري في العراق يعتبر "  ولي أمر يجب طاعته  ولا يجوز الخروج عليه " يا مثبت الدين والعقل !!!
2-  العدالة :
والعدالة كلمة جامعة لمعاني عده ويراد بها السلوك القويم إزاء الرعية والتحلّي بالأخلاق الفاضلة . و يجب أن يكون الحاكم عدلاً , فإن كان فاسقاً لم تنعقد إمامته . والعدالة شرط لازم لانعقاد الولاية ولاستمرارها  . قال تعالى (  وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )  وقد اشترط الله تعالى في الشاهد أن يكون عدلاً , فالذي هو أعظم من الشاهد، وهو الحاكم، يلزم أن يكون عدلاً من باب أولى ، فإذا شرطت العدالة للشاهد ، فشرطها للحاكم من باب أولى.   قال تعالى ((  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً  فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً )) . 
 ولقد أمر الله تعالى بالعدل والقسط ،  قال تعالى : ) إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .
  قال تعالى ( سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِى عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِى الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِى اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )
و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إن المقسطين، عند الله، على منابر من نور. عن يمين الرحمن عز وجل. وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ))، ولقد حرم الله تعالى الظّلم بشتَّى صوره ، عَنْ أَبِى مُوسَى رضي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِى لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قَالَ ثُمَّ قَرَأَ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِى ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ")) .
ومن مفاهيم العدالة أيضا الصدق والوفاء والحفظ والأمانة ، والرفق والرحمة والتيسير على عباد الله والإحسان والرحمة على الرعية ، ومن أسمى معاني العدالة مبدأ الشورى فالله جلَّ وعلا يقول لسيِّد الحُكَّام وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ  قال تعالى ((  فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ )) 
و قال تعالى (( فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ )) وأين حالنا اليوم من هولاء الحكام هولاء في الحقيقة ليسوا بحكام بل متحكمون على رقاب الناس متسلطون لا يهابون احد ولا يعتبروا لقول عالم أو احد من الرعية أين مبدأ وشاورهم في الأمر .
ومن معاني العدالة  التي يفتقد بها حكام اليوم  اختيار الأكفأ و يجب على ولي أمر المسلمين أن يتقي الله في اختيار وزرائه وبطانته وعُمَّاله ومُوظَّفيه ، فيَحرِصَ على اختيارِ الأكفَأ من  ذَوي القوَّة والأمانةِ الذين يُختارُون لكفَاءتهم وعدالَتِهم وأمانتهم، دون نظَرٍ لمحسوبيّةٍ مقيتة، ولا اعتبارٍ لمصالح شخصيّةٍ أو عِرقيَّة، أو شهادات ورقية ،  سبحانك ما نرى ذلك اليوم هذا المبدا العظيم يطبق على ارض الواقع ، فيتم الاختيار على اساس انه من العائلة الحاكم او من الحزب الحاكم وهو جاهل جهول جهّال مجهال جهل لا يفهم الا سرقة ونهب الاموال العامة هذا هو تخصصه الوحيد!!!  فحسبنا الله ونعم الوكيل  قال تعالى( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)  جمع بين التخصص وهو القوى الجسمانية وبين الاخلاق العاليه وهي الامانه في العمل ، ومن معاني  العدالة ايضا النصح والإخلاص للرعية ، و يجب على كلِّ من تولَّى أيَّ ولايةٍ للمسلِمين أن ينصَحَ لهم ويُخلِصَ في خدمتهم، وأن يصدُقَ في رعايةِ حاجاتهم – ما اكذب الحكام في عصرنا الحديث الكذب عندهم مثل الماء نحن مع القضية الفلسطينية وهم اول من باع تلك القضية -  قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ما مِن عَبدٍ يسترعيهِ الله رعِيةً يموت يومَ يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته إلا حرَّم الله عليه الجنَّةَ» .
 وفي روايةٍ «فلَم يُحِطْها بنُصحِه لم يجِدْ رائحةَ الجنة)) متفق عليه . وفي روايةٍ لمسلم : (( ما من أمير يلى أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة )) صحيح مسلم ،  اين انتم يا علماء ووعاظ السلاطين من تلك الاحاديث التي فيها الوعيد لكل حاكم خائن يخون امته .
3-العلم و الاجتهاد و الكفاية العلمية : ولقد اشترط العلماء في الحاكم أن يكون مجتهداً في دين الله تعالى  والمجتهد هو أعلم الناس أو من أعلمهم -  فالناس مراتب : جاهل ومقلد ومتبع ومجتهد -   أي يشترط في الحاكم الكفاية العلمية، قادراً على الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية، وأن يكون عليماً بأحوال عصره وبيئته وأمته. فإن كان جاهلاً أو مقلداً لم تصح إمامته، وقد حكى ابن حزم وابن تيمية وابن عبد البر الإجماع على أن المقلد والجاهل لا تنعقد إمامته، وإنما يشترط في الإمامة أن يكون مجتهداً في دين الله. اين انتم يا علماء السلاطين ووعاظهم من ذلك الشرط اغلب حكامنا اليوم جهله بل جهلا مركب حتى سورة الفاتحة لا يدقنها ولا يحسن الكلام والخطابة  ، قال تعالى (( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))
ومن العلم والعقل حصافة الرأي في القضايا السياسية والحربية والاقتصادية والإدارية  وذلك ليستطيع اتخاذ القرارات الحكيمة في مختلف الأحوال التي تعترضه، اما الان فنرى شخصا جاهلا لا يفقه في الامور العسكري يصبح القائد الاعلى للقوات المسلحة -  الله يتسر اذا حدث غزو او احتلال ، القائد الاعلى عمره 90 سنه ، ابشر بالنصر القريب !!!4-      القوة :
 ومن معاني القوة ، القوة الإيمانية والبدنية والعقلية والنفسية ،  يجب أن يكون الحاكم قوياً قادراً على القيام بأعباء الحكم، لأن ذلك من مقتضى البيعة، إذ إن العاجز لا يقدر على القيام بشؤون الرعية بالكتاب والسنة اللذين بويع عليهما. قال تعالى (( وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ))
عن أبى ذر. قال: قلت: يا رسول الله! ألا تستعملنى؟ قال: فضرب بيده على منكبى. ثم قال : " يا أبا ذر! إنك ضعيف. وإنها أمانة. وإنها يوم القيامة، خزى وندامة. إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها ".   فإذا كانت القوة لازمة فيمن يعمل عملاً دون الحكم فمن باب أولى تكون لازمة في الحاكم قال تعالى (( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ  )) . ومن معاني القوة ، القوة العقلية فيجب أن يكون الحاكم عاقلاً . فلا يصح أن يكون مجنوناً، لأن العقل مناط التكليف، وشرط لصحة التصرفات، والحاكم إنما يقوم بتصرفات الحكم، وبتنفيذ التكاليف الشرعية، والمجنون لا يصح أن يتصرف في أمر نفسه، ومن باب أولى لا يصح أن يتصرف في أمور الناس.  فالعقل مطلوب بالبديهة لأن غير العاقل لا يسعه النهوض بأعباء الولاية وتصرفه قد يلحق الضرر بمن يُولّى عليهم، ويدخل في معنى القوة الشجاعة فيجب أن يكون الحاكم جلداً متصفاً بالشجاعة والنجدة لا تهزّه الكوارث ليتاح له حماية الرعية , إذ لو كان جباناً لما استطاع أن يقوم بأعباء الحكم من حماية وقصاص وجهاد .
فالجبان لا يستطع القيام بمهام الولاية أو الخلافة، ولا بد لمن يتولى الخلافة أن يعلم عظم المسؤولية ، فالخلافة تعريفها الفقهي: هي النيابة عن صاحب الشرع في إقامة الدين وسياسة الدنيا به.  من لا يستطيع ذلك ولا يجرؤ عليه لا يمكن أن يكون خليفة .  وما اجبن حكام اليوم بل تامروا على المسلمين فسلموا بلاد المسلمين للصلبيين وابناء المتعة المجوس سلموا العراق وافغانستان بل قدموا كل الدعم المادى والمعنوي للصلبيين لاحتلال بلاد المسلمين فحسبنا الله ونعم الوكيل .  أن في هذه العبارة تأكيد من خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على مبدأ حق الأمة في نقد سياسة الإمام وتحقيق لمبدأ المسألة والمحاسبة من قبل عامة المسلمين ، وتقويم سياسة الامام سواء بالنصح علنا او سرا .وقال تعالى ( قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون * قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين ) وقال تعالى ( قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون* قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين * يأتوك بكل سحار عليم * فجمع السحرة لميقات يوم معلوم * وقيل للناس هل أنتم مجتمعون )
- التجمع شمل المؤمن والكافر ولذلك قرأ بن عباس "وانذر عشيرتك الأقربين ورهطك منهم المخلصين" قال القرطبي رحمه الله "لعل هذه الزيادة كانت قرآنا فنسخت تلاوتها" وقال أيضا".. دليل على جواز صلة المؤمن الكافر وإرشاده ونصيحته. - حسن اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم" فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رضمة من جبل فعلاها ثم نادى…." الرضم والرضام هي صخور عظام بعضها فوق بعض وقيل هي دون الهضاب فاختار المكان المرتفع المشرف ليهتف من أعلاه بدعوته قال النووي يهتف "يصيح ويصرخ" وقولهم "يا صباحاه" كلمة يعتادونها عند وقوع أمر عظيم فيقولونها ليجتمعوا ويتأهبوا له.  لقد سارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إبلاغ الدعوة جهرة وسط تجمع حاشد جمع المؤمن والكافر ولم ينظر إلى مآل تنفيذ ذلك الأمر رغم أنه وهو الأعزل والمسالم وعدوه هو صاحب النفوذ والسلطة والقوة المسلحة.  جواب الطغاة على الدعاة لم يختلف لأن تلك سنة الله تعالى في الرسل والدعاة فقال أبو لهب – وهو شخصية تمثيلية بلغة العصر- تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت هذه السورة "تبت يدا أبي لهب وتب" وفي قراءة لابن مسعود " وقد تب" وكذا قرأ الأعمش رحمه الله إلى آخر السورة.  - وهكذا نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يجعل من التجمعات الحاشدة وسيلة لتبليغ الدعوة وتغير المنكر والأمر بالمعروف بطريقة سلمية كما فعل إبراهيم وموسى وكذا غلام قصة أصحاب الأخدود وكذا يحي بن زكرياء عليهم الصلاة والسلام جميعا.  - وقد تعددت تجمعات الرسول صل الله عليه وسلم المماثلة بعد نزول الآية كما ذهب إليه الحافظ بن حجر رحمه الله .  ولم يقل أحد من العلماء أن الهتاف والتجمع المختلط لتبليغ الدعوة بدعة أوضلالة وصاحبهما في النار ومن زعم النسخ فعليه بالدليل. فالنسخ لا يثبت بمجرد الدعوى كما هو معروف أصوليا. .  هدف التجمع الحاشد تبليغ الدعوة فهو هدف ديني تبليغي ولو لم تأذن به السلطات القريشية. ومن معاني القوة ايضا  القوة الكفاية ،  فلابد أن يكون كافياً للقيام بمهمته، ولهذا قال ابن بدران رحمه الله: إن الحاكم المسلم الذي هو تحت إدارة المشركين لا يكون إماماً للمسلمين؛ لأنه غير قادر على إنصاف المظلوم من الظالم، وغير قادر على جهاد العدو، وغير قادر على إقامة الحدود ولا على غير ذلك.  ومن هنا فإن الذين يمارسون السلطة في كثير من بلاد الإسلام  في عصرنا الحديث عاجزون عن اتخاذ القرارات في كثير من الأمور، وإذا سئلوا عن السبب في تعطيلهم لأحكام الله سبحانه وتعالى واستبدالهم بأحكام الطاغوت، قالوا: نحن ليس لنا من الأمر شيء، فمن ليس له من الأمر شيء لا يكون إماماً قطعاً ولا يكون خليفة، من هو تحت الضغط المطلق كيف يكون إماماً وخليفة على غيره؟!5-      الذكورة فلابد ان يكون الحاكم رجلا .6-       النسب القرشية .ولو سلطت تلك  الشروط مجتمعة  على الحكام في عصرنا الحديث  في عالمنا الاسلامي لن ترى منهم تنطبق عليه تلك الشروط فمنهم والعياذ بالله اعلن الحرب على الله ورسوله فضرب شرع الله عرض الحائط استبدلها بقوانيين وضعية مستورده من الغرب ، ومنهم تراه ظالم جاحدا اكلا لاموال العامة بغير حق نهب ثروات البلاد له ولاسرته ولحزبه الحاكم  وتعاونوا مع الغرب ضد المسلمين كل ذلك قليل من كثير .وبعد استعراض تلك الشروط  ، هل يعني انه لو توافرت  تلك الشروط في اي شخص اصبح ولى لامر المسلمين ؟ هنا تأتي المرحلة الثاني وهي كيف تنعقد الولاية للحاكم ؟الناظر في الايات القرانية  قد يجد بعض الايات التي توضح طريقة اختيار الحاكم سوء كان لقومه او لجماعته او لامته ،  إن اختيار الحاكم له في القران الكريم مسميات تارة يكون بلفظ  ولى الأمر و تارة يكون بلفظ  الحاكم  تارة يكون بلفظ  الملك  تارة يكون بلفظ  الخليفة ونطلق عليه فى عصرنا الحديث بالرئيس وبالملك  والسلطان والأمير .وعندما نبحث في القران الكريم عن طريقة اختيار الحاكم او الخليفة نجد ان هناك طريقين لاختيار:1-      الطريق الاولي الطريق الإلهى :
وهو أن يختار الله إنسانا ما حاكما او خليقة في الارض او اماما سوى كان نبي او رسول او ملك  ومن أمثلة ذلك :·         قال تعالي ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون )) المقصود بالخليفة هنا سيدنا ادم عيه السلام وقد قال بعض المفسرين ليس ادم عليه السلام بل كل انسان تولى اعمار الارض .·         قال تعالى ((إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ))
·          قال تعالى ((ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )) هذه وصية من الله - عز وجل - لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله وقد توعد الله تعالى من ضل عن سبيله وتناسى يوم الحساب ، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد، اين حكام المسلمين  اليوم من تلك الاية الكريمة انظر اخي العزيز الوعيد الشديد الي سيدنا داود عليه السلام اذا حكم غير ما انزل الله ، وهذا الاية موجه ايضا الحكام وولاة الامور ان يحكموا بما انزل الله عز وجل ، ولكن حال هولاء الحكام اليوم  ( متحكمون )  ضربوا شرع الله عرض الحائط واتبعوا شهواتهم وظلموا شعوبهم بكل انواع الظلم والظغيان  .·         اختيار طالوت ملكا قال تعالى ((وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم)) .  وبعد ان بعث الله عز وجل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم تعد هذة الطريق موجودة بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم .2-      الطريق الثانية الطريقة البشرية : وهذه الطريقة تعددت اشكالها في القران الكريم واغلبها كانت في العصور قبل الاسلام ومنها  :·         اختيار الحاكم لمن يخلفه كما اختار سيدنا  موسى عليه السلام سيدنا هارون عليه السلام  خليفة له فى بنى إسرائيل فى غيابه وفى هذا قال تعالى ((وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين)) . انظر اخي العزيز الي وصية موسى عليه السلام الي هارون عليه السلام وصاه بالاصلاح وعدم اتباع منهح الفاسدين المفسدين اين حكام المسلمين من تلك الوصية العظيم هولاء الحكام المجرمين في واد ومنهج الله عز وجل في واد اخر .  ·         اختيار القوم حاكما لهم ،  كما اختارت بنو إسرائيل السامرى حاكما لهم بدلا من هارون عليه السلام  حيث ابتدع لهم دينهم الضال الممثل فى عبادة العجل ولم يخرج عن هذا الاختيار سوى هارون عليه السلام  ومن معه وهم قلة وفى هذا قال تعالى((قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ،  فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري  فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي ، أفلا يرون ألا يرجع إليهم قولا ولا يملك لهم ضرا ولا نفعا )) .·         اختيار الشورى وهو المبدأ الاسلامي العظيم التي اقامت عليها دولة الخلافة الراشدة  وهو إشراك المسلمين فى اختيار حاكمهم تطبيقا لقوله تعالى ((والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون )) وقد وضع الله لهذا الاختيار قاعدة فى بداية الدولة الإسلامية وهى أن السابقين للإسلام والمقاتلين فى سبيل الله هم الذين يختار الحاكم من بينهم فقط وأما من أتوا بعدهم فلا يحق لهم تولى الحكم حتى يموت كل السابقين للإسلام والجهاد وهذه هى الدرجة التى قال الله تعالى (( لا يستوى منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى  )) والذى يجعلنا نقول بهذا هو أن الله ساوى بين المجاهدين جميعا بعد الفتح وقبله فى الدرجة فى الجنة حيث قال بسورة النساء: (( فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة )) من ثم درجة سورة الحديد شىء دنيوى وهو وجوب اختيار الحكام من بين المجاهدين الأوائل وأما بعد موت الأوائل فيحق لكل مسلم أن يختار أى مسلم عالم بالإسلام حاكم  . وهذا المبدأ قد طبقه الخلفاء الراشدين المهديين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولقد امرنا الرسول باتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين قال النبي صلى الله عليه وسلم ((عليكم بسُنَّتي وسنَّةَ الخلفاءِ الرَّاشدينَ المهديِّينَ من بَعدي ، تمسَّكوا بها وعضُّوا عليها بالنَّواجذِ ، وإيَّاكمْ ومُحدَثاتِ الأمورِ ، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ )) ، ولهذا فإن اختيار الحاكم وهو حق لكل مسلم ان يختار من يتولى شئون حياته الدينية والدنيوية  .وبعد ان بينا معنى الحاكم المسلم وذكرنا الشروط الواجب تتوافرها فيمن يتولى امور المسلمين ووضوحنا كذلك كيفية انعقاد الولاية للحاكم المسلم حتى يتضح لدى القراء من هو الحاكم الشرعي  حتى لا يلبس عليه من قبل علماء السوء ووعاظ السلاطين الذين ينزلوا احاديث الحاكم الشرعي المتوفر فيه الشروط الجامعة لكي يكون ولى لامر المسلمين فاذا تتوفرت هذا الشروط التي ذكرناها في الحاكم العادل المسلم المطبق للشرع ففي هذا الحالة يحرم الخروج عليه ، اما اذا اختل شرط من الشروط السابقه جاز للامة استبدله وعزله من منصبه .ومن هنا نطرح سوالا هل يجوز الانكار على الحاكم اذا ارتكب مخالفات شرعية ؟نحن معاشر المسلمون والحمد لله لنا مرجعية عظيمه تتمثل في كلام الله عز وجل وهو القران الكريم هو الحكم بيننا في جميع امور حياتنا قال تعالي ((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم )) لا خيار للمسلم اذا حكم الله حكمه ان يكون للمومن ان يتخير وان يرجع الى حكما غير حكم الله عز وجل ، وهكذا ايضا بالنسبة لكلام وافعال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الشارح والمبين لكلام الله عز وجل فلا نقدم كلام احد من البشر على كلام الله عز وجل وكلام رسوله الكريم ، ولهذا يتوجب على المسلمين الرجوع إلى حكم الله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ولو خالف ذلك أهواء العامة والخاصة من حكام ورعية .فالمرد لله أولا وأخيراً ،  وله الأمر من قبل ومن بعد ، من هنا يتضح لنا ان الله سبحانه وتعالى قد قضى في أكثر من آية في كتاب الله عز وجل بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعل ذلك شعيرة من شعائر الاسلام التي نالت بسببها امة محمد صلى الله عليه وسلم الخيرية ، وجعل هذا الوجوب عاماً غير مخصص بحال دون حال, ولا لناس دون غيرهم. ومعنى هذا أن هذه الآيات بينت هذا الوجوب بوجه عام ولم تقل فيه أن يجب انكار المنكر ان صدر من عموم الناس بالوسائل الثلاث المبينة في الحديث الصحيح اما ان صدر هذا المنكر من حاكم فإنه لا يجوز إنكاره إلا سراً.بل جاءت القاعدة الشرعية بخلاف ذلك مطلقاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم (( سيد الشهداء وفي لفظ أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام أمام سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله)) . إن تقرير أفضلية من أمر السلطان ونهاه باللسان ووصول منزلته إلى منزلة سيد الشهداء وأفضل الشهداء, تدل دلالة قطعية- لمن لم تعم بصره بعض الأهواء والشبهات- عظم منزلة ذلك وعظم أجرة ، فلا دليل على وجوب السرية في إنكار المنكرات السلطانية ،  بل الدليل واضح على وجوب الإنكار على أي حال من الأحوال إلا ما استثناه الدليل من حرمة الخروج على الإمام بالقوة إذا لم يظهر منه كفر بواح، وما اكثر المكفرات التي ارتكبها حكام اليوم والعياذ بالله ،  ثم تأتي النصوص الشرعية الواردة في صحيح السنة لتدل أيضاً على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بوجه عام غير مخصصة بعامي ولا عالم ولا حاكم ولا رعية ,لا سراً ولا جهراً بل جاءت عامة يقدرها من أراد العمل بها , فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي تعبده الله بتقدير المصلحة في الأمر بالمعروف وفي النهي عن المنكر،  ولم يتعبده الله برأي عالم أو فقيه أو قاض أو حاكم , وعلى اقل تقدير فإن هذه من المسائل الخلافية التي يعذر فيها من أجتهد ولا يجوز الإنكار عليه فضلاً عن إيقاع العقاب البدني والنفسي على من قام به كما يفعل الان من ينتسب الي العلم الشرعي  ومن وعاظ السلاطين وعلماء السوء بل يصف من قام بهذا الامر بصفات كلفظ خارجي وقطبي وغيرها من تلك الالفاظ فحسبنا الله ونعم التوكيل من هولاء الجهل الذين هم في الحقيقة عبدت السلاطين،.
لكنه الإعجاب بالرأي والبعد عن التجرد من حض النفس وأهوائها قد يعمي صاحبه عن الحق فيرفض النص الشرعي أو يتأوله مع كثرة هذه النصوص وتظاهرها في الدلالة على ذلك  ، إن الإنسان ليعجب أشد العجب ممن يترك ظاهر السنة الصحيحة وأعمال الصحابة المتواترة ليتمسك بحديث ضعيف أحياناً وأقوال رجال متأخرين أحياناً أخرى .فيجعل منها أدلة شرعية ليستدل بها على حرمة الفعل وتجريم فاعله وسوء من رضي به ذلك ونسي من فعل ذلك اوتناسى أن دين الله كامل وتام وأن هذا التشريعات التي تعبد الله بها عباده قد كملت قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أثبت الله كمال هذا الدين بقوله تعالى  (اليوم أكلمت لكم دينك وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ) . كما أن من ترك النص الشرعي الصحيح الصريح الوارد في القران والسنة أو في احدهما قد غفل على أن الله تعالى لم يفرط في كتابه في شيء قال تعالى:(ما فرطنا في الكتاب من شيء)) . ثم يأتي ليستدل بأقوال المتأخرين ويترك أقوال وأفعال المتقدمين من صحابة رسول الله رضوان الله عليهم والتابعين بإحسان  .
ومن ذلك ترك ما ثبت في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وما ثبت عن الحسين بن علي رضي الله عنه سيد شباب أهل الجنة وما ثبت عن عبد الله الزبير ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها,من إنكار المنكرات ،  ثم ألا يفطن من حرم إنكار المنكر على السلاطين جهراً أن الله عز وجل عاتب نبيه في قرآن يتلى إلى يوم القيامة وأنكر عليه حينما قال:(عبس وتولى) وهذا في حق النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم قدراً وأعلى شأناً من الحكام او السلاطين ام أنه يريد أن يقول أن بيان فعل هذه الأمور قد تنقص قدر الحاكم عند الرعية فيقال له: إن الله عز وجل قد ذكر عن نبيه أمراً كان صلوات الله عليه وسلامه قد أسره في نفسه فقال:(وتخفى في نفسك ما الله مبديه) ولم يكن ذلك تنقيصاً لقدر رسول الله عند أصحابه بل زاد قدره عند العامة والخاصة لأنه لم يخف مثل هذه الآية عن الأمة مع ما قد يظن البعض فيها مما قد يخجل الإنسان العادي فضلاً عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.ولقد تضافرت أدلة الكتاب والسنة على عُلُوِّ شأن وعِظَم منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى عدَّه بعض العلماء سادسَ أركان الإسلام ، وسوف نذكر الادلة على ذلك :
1-      قال تعالى ((كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)) .يبين الله عز وجل خيرية امة محمد صلى الله عليه وسلم وهذا الخيرية لم تحصل بمجرد العرق او اللون او النسب بل جاءت على امر عظيم وهي ان امة محمد صلى الله عليه وسلم كلفت بمهمة عظيم وشريفه عدها بعض العلماء الركن السادس من اركان الاسلام الا وهي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، و دلت الاية على وجوب المناصحة لجميع هذه الأمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقاً ولم تفرق هذه الآية بين الأمر والنهي العلني أوالسري ولأن الأصل هي  العلنية لا السرية وحيث لم يرد نص شرعي معتبر في تحول هذا الأصل. والحرص على فعل هذه الشعيرة جعلت هذه الأمة خير امة بين الامم ،  وهذه الشعيرة لا يمكن أن تأتي ثمارها الحقيقية إلا بإعلانها واشتهارها مثلها مثل بقية شعائر المسلمين كالصلاة والحج  .2-      قال تعالى ((ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر )) .دلت  هذه الآية على أمر مطلق بالدعوة إلى الخير وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا الأمر المطلق يفيد الوجوب لانه جاء على صيغة الامر ، وهو عام في كل أمر ونهي لم يقيد ذلك الوجوب بالسرية ولا بالعلنية ،  وحيث إن الأصل في هذه هو العلنية وهو ما يتوافق مع بقية النصوص الشرعية من القرآن  الكريم والسنة المطهره ،  بل هو منهج الأنبياء عليهم السلام مع مخالفيهم من عهد نوح عليه السلام إلى عهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يدعون مخالفيهم ويؤمرون قومهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر جهاراً , ثم يعلنون لهم ويسرون ويتخيرون ما يفيدهم ويثمر معهم ولذلك نجد خير مثال لذلك ما ورد في سورة نوح حيث بدأ بالجهر والعلن قبل الأسرار قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام (( ثم إني دعوتهم جهاراً *ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسراراً)) ، وقد وقف موسى عليه السلام أمام فرعون طاغية مصر، الذي قال لأهلها ما علمت لكم من إله غيري، فقال له بعد أن وعظه، وتبين له أن فرعون يتكبر ويتجبر بقوته وسلطانه، قال له (( وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً)) ، ويتضح ايضا لما امر الله عز وجل رسوله - صلوات الله وسلامه عليه - بإبلاغ رسالة الاسلام الي جميع الناس ، و  مواجهة المشركين به ، قال تعالى ((فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين )) والصدع هنا نوع من انواع انكار المنكر باستخدام اداة اللسان ، وهذه النصوص  الشرعية المبينة لدعوة الأنبياء عليهم الصلاة السلام في القرآن قد أوضحت وجوب العلنية في ذلك, لان هذا هو عمل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام  ومن سار على طريقهم من الدعاة، ومن حمل لواءهم إلى يوم الدين، من دعوة الخلق، ونشر الإسلام، والجهاد في سبيل الله بجميع أنواع الجهاد، لا يقوم به إلا من أوتي أوفر الحظ من الشجاعة والإقدام، لأن هذه الأعمال لا تتم إلا بمواجهة حاسمة بين النبي أو الداعية إلى الله وبين أمته، لا سيما منهم من رفض الخضوع لرب العالمين، ولذلك كان الأنبياء أشجع الناس، كما أنهم أعلى الناس إيماناً(( ٱلَّذِينَ يُبَلّغُونَ رِسَالـٰتِ ٱللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ ٱللَّهَ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيباً )) . بل إنه حينما كانت الدعوة سرية لم تبلغ ما تبلغه الدعوة العلنية  من ثمرات عظيمه . وهذا الكلام يقال ايضا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعموم الأمة, أما حينما يتعلق بالحكام والسلاطين فإن وجوب الأعلام في إنكار المنكر عليهم من باب أولى لعدة أمور:·         الأصل أن الحاكم قدوة  ، فإذا أسر له بالإنكار على الأمر الظاهر من المنكرات ،  قد يزال هذا المنكر من قبل السلطان, لكنه سيبقى لا محالة في أذهان عموم الناس الذين لم يعلموا بحرمة هذا الأمر المنكر أو بعدم شرعيته. وهذا بخلاف ما اذا أنكر هذا المنكر جهراً لتسبب هذا في زوال المنكر عند الأمام وزواله عند جميع عامة الناس ، ومن هنا حصلت فائدتين الفائدة الاولى ان الحاكم ازال المنكر وتحقق مبدا انكار المنكر ، والفائدة الثانية علم عامة الناس ان الظاهرة الغريبة التي ظهرت في مجتمعهم كانت من المحرمات التي حرمها الله عز وجل .·         الأصل أن الحاكم حينما  يرتكب المنكرات والمحرمات ، بل يصدر القوانيين والانظمة التي تنظم المحرمات والمنكرات و لم يكن جاهلاً بذلك  ، وإنما فعله بحكم شهوته متذرعاً بسلطته وقوته،  فإذا أنكر هذا المنكر عليه سراً فقد يؤدي مثل ذلك إلى انتقام الحاكم من هذا الذي أنكر عليه هذا المنكر دون أن تتحقق الغاية من هذا الإنكار، وهذا بخلاف ما اذا  كان الإنكار علناً فإن هذا سيكون رادعاً للسلطان عن التمادي في منكره , كما أنه سيكون مانعاً له من إيقاع العذاب والعقاب فيمن أنكر عليه لأن في هذا  الحال سيكون مكشوفاً لعموم الأمة  التى عملت ان حاكمها رجل فاسقا وبدرها سوف تضغط بسلطتها فتمنع انتقام الحاكم ممن أنكر عليه .·         إن الإنكار على الحاكم جهراً و مناصحتهم علناً تخلق الشجاعة في نفوس الناس وتجرئهم على إظهار شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتكون رادعا للحاكم لكي لا يتمادى في ظغيانه وظلمه ، ولم يتجرا هولاء المجرمين الظلمة حكام اليوم على ظلم امتهم وشعوبهم  الا عندما عطلت شعيرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وظهر لنا وعاظ السلاطين وعلماء السوء الذين زينوا الباطل للحاكم وظن انه يحسن صنعا ، فحسبنا الله ونعم الوكيل .

3-      قال تعالى ((وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا )) .قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمة الله تعالي في كتابه مختصر فتاوى ابن تيمية ص 504 (لا يجوز لأحد أن يشهد مجالس المنكرات باختياره بغير ضرورة ، ورفع إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه قوم شربوا الخمر ، فأمر بجلدهم ، فقيل : فيهم فلان صائم ، فقال : به ابدأوا ، أما سمعت الله تعالى يقول (  وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم )  فجعل حاضر المنكر كفاعله انتهى ، أي ان الامة اذا لم تنكر المنكر ورضيت به بمجرد السكوت عن من نشر وساعد عن نشر فهو كمن ارتكب المنكر .4-      عن طارق بن شهاب وهذا حديث أبي بكر قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل فقال : الصلاة قبل الخطبة ، فقال : قد ترك ما هنا لك ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم .وفي رواية اخرى عن  طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري قال : أخرج مروان المنبر في يوم عيد فبدأ بالخطبة قبل الصلاة فقام رجل فقال : يا مروان خالفت السنة أخرجت المنبر في يوم عيد ولم يكن يخرج فيه وبدأت بالخطبة قبل الصلاة ، فقال أبو سعيد الخدري : من هذا ؟ قالوا : فلان بن فلان ، فقال : أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من رأى منكراً فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) . ويدل هذا الحديث على دلالة قطعية على أن المنكرات العامة الواقعة من الحكام لا تبرأ ذمة المسلم فيها إلا بالإنكار عليها علناً. وذلك لأن مروان بن الحكم لاحظ أن الناس كانت تؤدي صلاة العيد ثم تخرج من المصلى قبل أن تسمع الخطبة ولذلك بدأ بالخطبة أولاً ، وعلى هذا فإن ما قام به مروان بن الحكم مخالف للسنة، وقام رجل من بين المصلين فأنكر عليه فعله ذلك أمام عموم المسلمين, وفي مصلى العيد ولم يسر له ذلك , فقام الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه فقال مقولته المشهورة عن هذا الذي أنكر على الحاكم جهراً أمام عموم المسلمين ((أما هذا فقد أدى ما عليه)).فمقولة أبي سعيد (أما هذا) فإنها تدل على سقوط الوجوب عن هذا الذي أنكر على الحاكم جهراً أمام عموم الناس. أما أولئك الذين لم ينكروا على الحاكم جهراً من عموم المسلمين الذين حضروا هذا الموقف فإنهم لم يقوموا بأداء الواجب عليهم مع أنه من المعلوم ضرورة أنه لم يكن من بين كل أولئك الحاضرين من لم ينكر بقلبه أو أضمر في نفسه مناصحة الحاكم  ( مروان بن الحكم ) سراً فيما بينه وبينه. ومع ذلك فإن ذلك فإن أبا سعيد رضي الله عنه بين أن من أدى الواجب عليه هو من أنكر هذا المنكر الظاهر جهراً وأمام عموم الناس.5-      قال الرسول صلى الله عليه وسلم:(سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله) .بين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم  في هذا الحديث من هو سيد الشهداء ؟ ولهذا جعل أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ورجل وقف أمام سلطان جائراً  ظالماً لم يعرف لحدود الله طريقا، فأمره ونهاه فقتله. وهذا الحديث لا يفيد أن مناصحة الحكام والسلاطين سنة متسحبة  فقط , بل يبين منزلة من قام بهذا الفعل الواجب ،  والذي لا يقدر عليه إلا من عظم الله وقدره واستحضر خشيته وهون في نفسه بطش البشر وعذابهم له , فعظم الله عنده أنساه وخفف عنه ما قد يخشاه من بقية البشر واستحضر ذلك فقام مناصحاً للحاكم وآمراً له بالمعروف وناهياً له عن المنكر حتى ضاق مثل هذا الحاكم بنصحه وأمره ونهيه فقتله . أن تصور مثل هذا الموقف يبين كيف أن من فعل هذا الفعل قد حقق  معنى التوحيد الذي جاء في كلمة الإخلاص (لإله إلا الله) حقق التوحيد بأنصع صورة حيث شعر ظاهراً وباطناً بأنه لإله إلا الله, فلا نافع ولا ضار, ولا رازق ولا واهب ولا معطي ولا مانع ولا محيي ولا مميت إلا الله فصغر الخلق في عينه,وكبر وعظم الله فيها ,فهان عذاب الدنيا عنده مقابل تحقيقه لعبودية الله وإخلاص الدين له وحده , ألا يستحق من كانت خشيته لله تعالى ومهابته في قلبه بهذه المنزلة حتى أدت به إلى أن يفقد حياته , ويغادر هذه الحياة الدنيا إخلاصاً لله ألا يستحق أن يكون من أفضل المجاهدين بل هو سيد الشهداء مع حمزة بن عبد المطلب .
6-      قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان )) .يبين هذا الحديث مراتب انكار وأزالت  المنكر فمن قدر على انكار المنكر وتغيير بيده وجب عليه  فعل ذلك ، لان الحديث جاء على صيغة الامر ، فإن لم يستطع فعل ذلك انتقل الي مرتبة اخرى من مراتب انكار المنكر وهو انكار المنكر باللسان فان لم يقدر على ذلك انتقل الى مرتبة اخرى وهي الانكار بالقلب وهو اضعف الايمان .7-      قال الرسول صلى الله عليه وسلم :(أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) .بين هذا الحديث إن من المعلوم لجميع الناس مشقة الجهاد في سبيل الله على النفس وذلك لما فيه من خطورة ذهاب النفس ومفارقتها للحياة الدنيا لان حب الدينا فطرة لدى الانسان ولهذا فهو يكره الموت ، ولذلك كانت هذه الشعيرة من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى بسبب ما يبذل فيها المسلم من ثمن عظيم مقابل إعلاء كلمة التوحيد والدفاع عن بيض الاسلام . فإذا كان ثمن مجاهدة الكفار لإعلاء كلمة الله عظيماً وجزاءه الجنة , فلاشك فيه أن هذا الفعل - وهو نصح الإمام الذي جعل افضل منها- أعظم أجراً و مثوبة من مجاهدة الكفار وذلك بسبب أن هذا الفعل- وهو نصح الإمام وتوجيهه وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر- علانية أمام الناس لبيان عظم هذا الذنب المقترف وعظم المعصي وانه ليس له مهابة من دون الله . خاصة وأن بعض الحكام لا يخافون الله عز وجل فسمحوا في اوطانهم نشر المنكرات بل شرعوا قوانين تنظم فعل المنكرات والعياذ بالله و ضربوا شرع الله عرض الحائط واستبدلوا بذلك شريعة الكفار فحسبنا الله ونعم الوكيل .
وهذا في المنكرات الظاهرة كظلم العباد وعدم العدل في تقسيم الثروة واضطهاد المساجين  وانتشار الخمور والدعاره  ولم يكتفوا بذلك بل قاموا ببناء معابد للنصارى واليهود كل ذلك يفعل في بلاد المسلمين اين المسلمون من تلك  المنكرات العامة و الكفر الصريح  , أما منكراتهم الخاصة التي يفعلونها في مجالسهم الخاصة ومنتدياتهم المغلقة ، فذلك مما لا يلزم المسلم الإنكار العلني عليهم فيه , لأنه لم يطلع عليه ولانهم لم يجاهروا فيه فلا يجوز له ولا لغيره التجسس على الحكام ولا غيرهم, لأن التجسس محرم عند الله بنص القرآن والسنة , أما المنكرات الظاهرة أمام عموم الشعب فإنه ينبغي إنكارها علناً ولا يجوز الإسرار بها ،  لأن الأسرار بالنصح قد يجرأ الحكام على الاستمرار بها كما أنه يجرأ عوام الأمة على ممارستها خاصة حينما لا يعلمون أن الناس ينكرون على الحاكم فعله ذلك, فهم يقولون في أنفسهم إن الحاكم يقوم بهذا الفعل والعلماء وطلبة العلم يرون فعل هذه المنكرات ولا ينكرون عليه وهذا يدل على إباحة فعل هذه الأفعال وعدم حرمتها. وقد يعرض الناس في مثل هذا التفكير, خاصة مع وقوعه حقيقة حيث بدأ الناس يستمرؤن ممارسة هذه المنكرات بحجة فعل السلاطين لها ورضاهم عن وجودها ولم يسمع أن أحداً في يوم من الأيام قال إن هذه الأمور منكرة ولو فعلها السلطان, لأن طلبة العلم والعلماء وأهل الحل والعقد ينكرون هذه الأمور على السلطان ذلك سراً.8-      قال صلى الله عليه وسلم ((إذا رأيت أمتي تهاب من أن تقول للظالم: يا ظالم فقد تودع منها )) .فإن معنى الحديث أن الأمة إذا أصبحت في حال تخشى فيه من إنكار مناكر الظلمة ومنعهم من الظلم فقد تُودع منهم أي تودعهم الله وتركهم لاستواء وجودهم وعدمهم، واستنبط منه أن ترك إنكار المنكر من أسباب خذلان الله للأمة ،  وقد حث الرسول الكريم على مواجهة الظالم وزجره عن ظلمه وتبيان لخطورة ترك هذا الأمر، فإنّ الناس إذا تركوا زجر الظالم في وجهه والتحذير منه فإنّ الله تبارك وتعالى يتخلى عنهم أي يقطع نصرته عنهم والرسول حذّر أمته أنهم إذا وصلوا إلى حالة يهابون فيها أن يقولوا للظالم يا ظالم عندئذ تودّع الله منهم أي تخلى الله عنهم وتركهم ووكلهم إلى أنفسهم أي قطع عنهم نصرته ، ومعنى هذا أنه لا يجوز لأحد أن يخاف من مناصحة أي شخص كان مهما يبلغ في قوته وجبروته وطغيانه, بل يجب مناصحته ومصارحته بأنه ظالم , لأنه إذا استمر بظلمه وعدم إيقافه عند حده في ذلك فإنه سيؤدي إلى أن يتودع من الأمة لتقصيرها في هذه الشعيرة العظيمة في إنكار المنكرات العامة .9-      عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال مَّا وقعتْ بنو إسرائيلَ في المعاصي نهتْهُم علماؤهم فلم ينتهوا فجالسوهم في مجالسِهم وآكلوهم وشاربوهم فضربَ اللَّهُ قلوبَ بعضِهم ببعضٍ ولعنَهم على لسانِ داودَ وعيسى ابنِ مريمَ عليهما السَّلامُ { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } قالَ فجلسَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وكانَ متَّكئًا فقالَ لا والَّذي نفسي بيدِهِ حتَّى تأطروهم أطرًا وفي روايةٍ كلَّا واللَّهِ لتأمرنَّ بالمعروفِ ولتنهونَّ عنِ المنكرِ ولتأخذنَّ على يديِ الظَّالمِ ولتَأطُرُنَّهُ على الحقِّ أَطْرًا أو لتَقصُرُنَّهُ على الحقِّ قصرًا أو ليضربنَّ اللَّهُ بقلوبِ بعضِكم على بعضٍ ثمَّ ليلعننَّكم كما لعنَهم .
10-  وعن أبي بكر الصديق- رضي الله - تعالى عنه- أنَّهُ خطب على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ((يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية (( يأيها الذين آمنوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)) وتضعونها في غير موضعها وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ))
11-  قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه في خطبة البيعة وبعد أن أصبح خليفة حيث قال: إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني .12-   أن طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وهما من العشرة المبشرين بالجنة ومن الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للشورى. وعائشة رضي الله عنها ومجموعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكروا على الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه تأخير القصاص ممن قتل عثمان رضي الله عنه وكان إنكارهم ذلك جهراً وعلانية .13-  عن عبادة بن الصامت وكان أحد النقباء قال : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب ، وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ))ويبن لنا هذا الحديث أنه يجب طاعة الحاكم وعدم جواز منازعته أو الخروج عليه مادام قائماً بواجبه ولم يظهر منه كفر بواح ،  كما أنه يجب على المسلمين إبداء أرائهم والتعبير عن معتقداتهم والإنكار على سلاطينهم دون أن يخافوا في الله لومة لائم وهذا دليل صريح جمع بين تحريم الخروج على الحكام ووجوب نصحهم والإنكار عليهم وعدم ترك ذلك خوفاً منهم وفي هذا دليل قطعي على أنه لا يوجد تلازم بين نصيحة الحكام والإنكار عليهم وبين الخروج عليه ,بل إن نصحهم وسيلة مشروعة لتثبيت حكمهم وتمسك الشعب بهم , و تجعله حكماً شرعياً خالياً من المنكرات التي تتسبب في عزلهم ولذلك فإنه يحرم على السُلْطات مصادرة حق الشعوب في التعبير عن الرأي .14-  قال عبادة رضي الله لأبي هريرة يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في النشاط والكسل وعلى النفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول في الله تبارك وتعالى ولا نخاف لومة لائم فيه وأن ننصر النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا وأزواجنا ولنا الجنة فهذه بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الله تبارك وتعالى له بما بايع عليه نبيه صلى الله عليه وسلم فكتب معاوية إلى عثمان أن عبادة بن الصامت قد أفسد على الشام أهله فإما أن تكف عني عبادة وإما أن أخلي بينه وبين الشام فكتب إليه أن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة فبعث بعبادة حتى قدم إلى المدينة فدخل على عثمان رضي الله في الدار فالتفت إليه فقال يا عبادة بن الصامت ما لنا ولك فقام عبادة بن الصامت بين ظهراني الناس فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله تعالى ).15-  قال الرسول صلى الله عليه وسلم إنَّه سيَلي أمرَكم من بعدي رجالٌ يُطفئونَ السُّنةَ ويُحدِثونَ بدعةً ويُؤخِّرونَ الصلاةَ عن مواقيتِها قال ابنُ مسعودٍ : يا رسولَ اللهِ كيفَ بي إذا أدركتُهم قال : ليس يا ابنَ أمِّ عبدٍ طاعةٌ لمن عصَى اللهَ قالَها ثلاثَ مرَّاتٍ .16-  عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عنه:(سيكون أمراءً تعرفون وتنكرون فمن نابذهم نجا ومن اعتزلهم سلم ومن خالطهم هلك ) .وبعد سرد الادلة التي توجب على المسلم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر  الي كل من اظهر وجاهر بالمعاصي سواء كانوا  افراد او جماعات او حكام  ، واذا تخلى المسلم عن القيام بتلك الشعيرة العظيم توعده الله عز وجل  سواء فرد مسلم او مجتمع مسلم توعدهم بالعقاب والعذاب ، اسمع رعاك الله الادلة على ذلك :1-      قال تعالى ((فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين  ،  وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)) .يبين الله  تعالى في هذا الاية  الكريمة بسوالا هل وجد من القرون الماضية بقايا من أهل الخير من المصحلين ، ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض  . وقوله ( إلا قليلا ) أي : قد وجد منهم من هذا الضرب قليل ، لم يكونوا كثيرا ، وهم الذين أنجاهم الله  من عذابه الاليم ومن انتقامه الشديد ; ولهذا أمر تعالى هذه الأمة الشريفة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، لا يخشى من احد الا الله تعالى لا يهاب من ملك او صاحب جاه يدعو الله تعالى بالمعروف وينهى عن كل فعل نهاه الله و رسوله الكريم  ، قال تعالى ((  ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) في الحديث : " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب   ولهذا قال تعالى ((  فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم  واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه )) أي : استمروا على ما هم فيه من المعاصي والمنكرات ، ولم يلتفتوا إلى إنكار أولئك ، حتى فجأهم العذاب ،  وكانوا مجرمين ))  ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة ( لنفسها) ولم يأت قرية مصلحة - وليست صالحه لان هناك فرق بين المصلح والصالح -  بأسه وعذابه قط حتى يكونوا هم الظالمين ، كما قال تعالى (( وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم )) وقال تعالى ((وما ربك بظلام للعبيد )) .(( وما كان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون ))  (القرى) أي أهل القرى( بظلم )  أي بشرك وكفر .  (وأهلها مصلحون ) أي فيما بينهم في تعاطي الحقوق ; أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى يضاف  إليه الفساد  والمنكرات والمعاصي ، كما أهلك قوم شعيب ببخس المكيال والميزان ، وقوم لوط باللواط ; ودل هذا على أن المعاصي أقرب إلى عذاب الاستئصال في الدنيا من الشرك ، وإن كان عذاب الشرك في الآخرة أصعب . وفي صحيح الترمذي من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على  يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده . وقيل : المعنى وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مسلمون ، فإنه يكون ذلك ظلما لهم ونقصا من حقهم ، أي ما أهلك قوما إلا بعد إعذار وإنذار . و يجوز أن يكون المعنى ما كان ربك ليهلك أحدا وهو يظلمه وإن كان على نهاية الصلاح ; لأنه تصرف في ملكه ; دليله قوله : إن الله لا يظلم الناس شيئا . وقيل : المعنى وما كان الله ليهلكهم بذنوبهم وهم مصلحون ; أي مخلصون في الإيمان . فالظلم المعاصي على هذا .
2-      قال تعالى ( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون   فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ) .يخبر الله تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق :·          فرقة ارتكبت المحذور ، واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت.·         وفرقة نهت عن ذلك ، وأنكرت  واعتزلتهم .·         وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه .  ولكنها قالت للمنكرة ( لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا ) أي : لم تنهون هؤلاء ، وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله ؟ فلا فائدة في نهيكم إياهم . قالت لهم المنكرة : معذرة إلى ربكم ) قرأ بعضهم بالرفع ، كأنه على تقديره : هذا معذرة وقرأ آخرون بالنصب ، أي : نفعل ذلك ( معذرة إلى ربكم ) أي : فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر( ولعلهم يتقون ) يقولون : ولعل بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ، ويرجعون إلى الله تائبين ، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم  . قال تعالى ( فلما نسوا ما ذكروا به ) أي : فلما أبى الفاعلون المنكر قبول النصيحة ، ( أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا ) أي : ارتكبوا المعصية( بعذاب بئيس  ) فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين ، وسكت عن الساكتين ; لأن الجزاء من جنس العمل ، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا ، ولا ارتكبوا عظيما فيذموا.3-      أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها في غير موضعها : ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )  وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه ، أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ) .4-      روى البخاري ومسلم عن زينب بنت جحش رضي الله عنها (( أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ من نومه فزعاً وهو يقول : " لا إله إلا الله . ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا – وحلق بين إصبعيه السبابة والإبهام – " فقالت له زينب رضي الله عنها : يارسول الله ، أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم إذا كثر الخبث )) .ان المانع والحائل من نزول العذاب هو الإصلاح لا مجرد الصلاح، فيجب أن يكون الإنسان صالحاً في نفسه مصلحاً لغيره، واعلموا أنه إن لم يكن مصلحاً، فإنه لا يكون صالحاً؛ لأن حقيقة الصلاح وتمامه إنما تكون بالإصلاح؛ ولذلك فإن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو قدوة المصلحين وإمامهم صلوات الله وسلامه عليه، وهكذا كان أصحابه من بعده يدعون إلى الله ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ولهذا فان الله عز وجل لا يهلك أي مجتمع ما دام هناك مصلحين يامرون بالمعروف  والخير ينهون عن كل منكر وفاسد في المجتمع سواء صدر من الافراد ام من الحكام .ولهذا اذا ظهر المنكرات في اي مجتمع وجب على  الامة انكاره بكل وسيلة من الوسائل المشروعه وما اكثرها في العصر الحديث ، وجب على افراد المجتمع فرادى  كانوا ام مجتمعين ان ينكروا المنكرات التي يشرعنها بعض الحكام وللاسف الشديد ، وما تجرأ   هولاء الحكام ان  يتجاوز شرع الله  الا بعد ان تقاعس افراد المجتمع عن القيام بدورهم  في الانكار المنكرات وظهر لنا بعض علماء السوء ووعاظ السلاطين الذين اعطوا القدسية للحاكم ان يفعل ما يشاء لا يسال عما يفعل وهم يسالون !!! ، كأنه وللعياذ بالله الاله ، يقول شيخ الاسلام ابن تيمية في كتابه مجموع فتاوى شيخ الإسلام ج 28  ص 217 – 218 (إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ، ولم يبق له غيبة ، ووجب أن يعاقب علانية بما يردعه عن ذلك ، من هجر وغيره ، فلا يسلم عليه ولا يرد عليه السلام ، إذا كان الفاعل لذلك متمكناً من ذلك من غير مفسدة راجحة ) ، ولهذا ان جهر الحكام بالمنكرات و المخالفات الشرعية  عن طريق شرعنتها باصدار  القوانين والمراسيم التي تنظم تلك المنكرات والمخالفات الشرعية ومن هنا اصبح الحاكم مجاهر بالمعاصي والمنكرات معلن الحرب على الله ورسوله ، ومن هنا يقع على عاتق الامة واجب عظيم واحياء شعيرة من شعائر الاسلام الا هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر كل منهم بطريقة العلماء عن طريق منابر الجمع والأعياد ، واهل الكتابة والفكر عن الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي ، واذا لزم الامر نظمت المظاهرات والاعتصامات ، كل ذلك يعتبر من وسائل الضغط على الحاكم لكي يعلم انه ارتكب محظورا من المحظورات التي ادت الي استنفار الامة من اجل ازالت هذا المنكر المبين .و اعلم اخي المسلم انه متى تقاعس الامة عن القيام بدورها التي جعلت خير امة بين الامم بسبب قيامها بدور عظيم وهو اصلاح النفس والمجتمع عن اقامة شعيرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر و متى كثر الخبث عم العقاب  على الصالح والطالح ، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم  مهما كان سواء كان حاكما ام محكوما أوشك أن يعمهم الله بعقابه قال تعالى ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم )  كيف وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ذهب معظمه  في هذا الزمان ، فما بقي منه إلا رسوم أو مجرد ادعاء ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، وإنه لباب عظيم به قوام الأمر وملاكه ، وإنه لمن أعظم منافع الإسلام ، وبه تحيا السنن وتموت البدع ، لو قام كل منا بما عليه من الدعوة إلى الإسلام ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإرشاد الناس ، وعظتهم ، وتذكيرهم بما فيه صلاحهم واستقامتهم ، لاستقر الخير والمعروف فينا ، وامتنع انتشار الشروالظلم  والمنكر بيننا ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) . أن الناظر يتجرد في الفوائد والثمرات التي تعود على الأمة الإسلامية والمجتمع المسلم في علنية مناصحة  والانكار على الحكام متى جاهروا بالمعاصي والمنكرات عن طريق اصدر القوانين والمراسيم التي تنظم تلك المعاصي والمنكرات ليدرك من أول وهلة أنه لا يعلم مشروعيتها  بالقرآن الكريم والسنة النبوية و  سنة الخلفاء الراشدين وأقوال الصحابة وآثار التابعين لوجد أن الواقع العلمي والفوائد والثمرات المتوقعة منها تثبت مشروعها ، إن الواجب علينا طالما ثبت لنا مشروعية العلنية في مناصحة الحكام بالكتاب والسنة وعمل الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وقول التابعين. الواجب علينا العمل بها وذلك لأنه قد بين لعموم المسلمين بأنه إذا قضى الله أمراً فإنه لا يكون للمؤمنين الخيرة في أمرهم بل يجب عليهم امتثال أمره. قال الله تعالى:(وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) . وبقوله تعالى:(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرج مما قضيت ويسلموا تسليما). ومن الفوائد والثمرات التي تعود على الامة من اقرار مبدأ انكار والمناصحة العنلية ما يلي  :
1-      أن في ذلك امتثال لأمر الله عز وجل وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم .2-      أن في ذلك اقتداء بسنة الخلفاء الراشدين وبقية الصحابة رضي الله عنهم ،  ومن امثلة الانكار العلني على السلاطين نذكر بعض الامثلة من حياة الصحابة الكرام :·         حدّث إسحاق بن سعيد بن عمرو الأموي عن أبيه عن ابن عمر أنه قام إلى الحجاج وهو يخطب فقال : "يا عدو الله استُحلّ حرم الله ، وخرب بيت الله . فقال : يا شيخا قد خرّف ، فلما صدر الناس أمر الحجاج بعض مسوّدته فأخذ حربة مسمومة وضرب بها رجل ابن عمر ، فمرض ومات منها ، ودخل عليه الحجاج عائداً ، فسلم فلم يرد عليه ، وكلّمه ، فلم يُجبه .·         حين خطب مروان بن الحكم أمير المدينة ، في شأن عهد معاوية لابنه يزيد بالخلافة ( أي : التوريث ) فقال" سنة أبي بكر وعمر " ، أنكر عليه عبدالرحمن بن أبي بكر علنا ، وقال " بل سنة هرقل وقيصر " وفي لفظ " جئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم ".·         عن أبي سعيد الخدري قال : أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم قام فأقبل على الناس وهم جلوس في مصلاهم فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: تصدقوا تصدقوا تصدقوا، وكان أكثر من يتصدق النساء ثم ينصرف فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم، فخرجت مخاصرا مروان حتى أتينا المصلى، فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرا من طين ولبن، فإذا مروان ينازعني يده كأنه يجرني نحو المنبر وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت ذلك منه قلت: أين الابتداء بالصلاة ؟ فقال: لا يا أبا سعيد قد ترك ما تعلم، قلت: كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم ( ثلاث مرار ثم انصرف ) ، فقد أنكر أبو سعيد على مروان وهو الأمير مخالفته للسنة المعلومة، قال الامام النووي : وفيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان المنكر عليه واليا، وفيه أن الإنكار عليه يكون باليد لمن أمكنه ، ولا يجزي عن اليد اللسان مع إمكان اليد .3-      أن في إعلان مناصحة الحكام إظهار لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الشعيرة التي فضل الله بها هذه الأمة عن بقية الأمم في قوله تعالى:(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) .4-      أن في إظهار هذا الشعيرة تحقيق صفه من صفات المؤمنين الثابتة لهم في القرآن الكريم في قوله تعالى (والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ) .5-      كما أن في الإنكار العلني على الحكام بيان أن العصمة ليست لأحد من الخلق سوى النبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن ربه .6-      أن في الإنكار على الحكام علناً إيصال رسالة لجميع الأمة بأن السيادة للإسلام وشعائره وأنه لا أحد فوق دين الله وأن الجميع سواء كان حاكماً أو محكوماً تحت تعاليم الإسلام ولا فريه للحاكم تمنحه حق معصية الله أو فعل محرماته.7-      أن الإنكار العلني على الحاكم أدعى لاقتناع الحاكم عن الاستمرار فيما أنكر عليه كما أنه ادعى له بسرعة الإقلاع عن هذا المنكر حتى لا يهون أمره على بقية الأمة .8-      أن الجميع تحت طاولة المسألة والمحاسبة عندما تصدر منهم أخطاء أو منكرات تضر بالأمة وأن الله هو الذي لا يسأل عما يفعل أما سواه فهم يسألون .9-      أن في الإنكار العلني على الحكام ترسيخ لمبدأ وصاية الأمة وسلطتها على الحاكم وهذا ماقرره الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً. ولم تفطن له المجتمعات الغربية إلا في هذا العصر المتأخر .10-  كما أن محاسبة الحاكم والإنكار العلني   أعمال لمبدأ الشفافية والذي عمل به النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده .ولا يعذر احدا الان في العصر الحديث من انكار المنكر سواء صدر من افراد ام من حكام ، وذلك يرجع الي ظهور اساليب كثير قد تكون اداء ضغظ على من ارتكب المخالفات الشرعية ، ومن تلك الوسائل المظاهرات واعتصامات التى تكون اداء ضغط على الحاكم لكي يرتدع عن كل تجاوزاته التي تضر بافراد المجتمع  ، ولكن وللاسف ظهر لنا ما  يسمى بالعلماء السلاطين الذين حرموا ذلك بدون أي مستند شرعي ، واستندوا الى حجج بالباطل و اوهام  واهي ، والسوال الذي يطرح ما حكم  المظاهرات واعتصامات ؟والجواب عن هذا السوال لابد من تأصيل المسالة ومعرفة ماهية المسالة لان الحكم على الشى فرعا عن تصوره ، ما معنى المظاهرات او التظاهرات ؟·         معناها : المظاهرة قد يكون معناها الـمعاونة والتعاون ونصره ، منه قول الله تعالى:( وَإِن تَظَهَرَا عَلَيهِ فَإنَّ الله هُو مَولَاهُ) ، ومنه أيضاً  قوله (سِحرَانِ تَظَهَرَا )  فرجل عاون رجلاً على شيء فقد ظاهره عليه ، وفـي حديث عن علي رضي الله عنه : أَنه بارَز يَوْمَ بَدْرٍ وظاهَرَ أَي نَصَر وأَعان ) .·         وفي الاصلاح المطبق في عصرنا الحديث فهو صورة من صور إنكار المنكرات السياسية (الصادرة من الحاكم ) وإعلان عدم الرضا بها ومخالفتها سواء كان هذا المنكر يتعلق بأمر سياسي كمنع الحاكم لشعيرة من شعائر الإسلام أو كانت تتعلق بأمر اجتماعي كمنع الزواج من جنسية معينة أو تتعلق بأمر اقتصادي كسوء توزيع ثروة البلاد أو استئثار الحاكم بشي منها دون بقية شعبه ونحو ذلك . ولهذا فإن المظاهرات واعتصامات وسيلة وليست غاية بحد ذاتها  فحكمها يتربط بالغاية ، لاشك ان انكار المنكر هي غاية كل مسلم غيورا على دينه وعقيدته . وام الذين اصدوا  الفتاوى بتحريم  المظاهرات لا يستندون  على أي أدلة شرعية ، ولان الاصل في الاشياء الاباحة ما لم يرد نصا بتحريمها ولهذا نقول للذين حرموا المظاهرات اين دليل التحريم ؟ ولهذا نرى ان  بعض من حرم ذلك اعتمد على ان الحاكم جرم ذلك الامر ، فبنت الفتوى على رأي الحاكم ، ونحن نقول ان الاحكام الشرعية لا توخذ من السلاطين والحكام واينما توخذ من الكتاب والسنة المطهرة ، وللامانة فأن من حرم المظاهرات هم ثلاث فئات :1-       منهم علماء مجتهدون يبتغون الاجر من الله سبحانه وتعالى لا يخافون فالله لومة لائم ، والمجتهد قد يصيب وقد يخطا وله الاجر على اجتهاده ،  واجتهاده ليس حجة على الامة بذلك  .
2-      ومنهم طلبة العلم  الشرعي المقلدون للعلماء وهولاء طلبة العلم  الشرعي ليسوا عندهم ادلة قطعية على التحريم بل اعتمدوا على اقوال مشايخهم  ، وعلمائهم .3-       ومنهم علماء السوء ووعاظ السلاطين سواء أكانوا من العلماء أو من طلبة العلم الشرعي ومن صفاتهم الرئيسية  توظيف علمهم في خدمة الأنظمة المستبدة ولسنا الآن بصدد الكلام عن أهم صفات علماء السوء وحسبنا أن الكتاب والسنة الصحيحة وآثار السلف الصالح حذرت من علماء السوء ووعاظ السلاطين الطغاة ، عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله زوى لي الأرض . أو قال : إن ربي زوى لي الأرض ، فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي لأمتي : أن لا يهلكها بسنة بعامة ، ولا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ، فيستبيح بيضتهم ، وإن ربي قال لي : يا محمد ! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد ، ولا أهلكهم بسنة بعامة ، ولا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ، لو اجتمع عليهم من بين أقطارها – أو قال بأقطارها – حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضا . وإنما أخاف على أمتي ! الأئمة المضلين ، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين ، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان ، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون ، كلهم يزعم أنه نبي ، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي ، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ) وعن ابي ذر رضي الله عنه قال كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لغير الدجال أخوفني على أمتي قالها ثلاثا قال قلت يا رسول الله ما هذا الذي غير الدجال أخوفك على أمتك قال أئمة مضلين ) . قال الإمام الثوري رحمة الله تعالى" لله قرّاء - علماء- وللشياطين قرّاء وصنفان إذا صلحا صلح الناس، السلطان والقرّاء" ،  وهذا الصنف من العلماء هم السفلة عند الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله "قيل له من الناس؟ قال العلماء قلت من الملوك قال الزهاد قلت من الغوغاء؟ قال هرثمة وخزيمة بن خازم- كلاهما من قواد الرّشيد والمأمون قلت من السفلة؟ قال من باع دينه بدنيا غيره"  .وهؤلاء من أعوان الظلمة، فقد قال رجل خياط لابن المبارك: "إني أخيط ثياب السلاطين فهل تخاف أن أكون من أعوان الظلمة؟ قال لا إنما أعوان الظلمة من يبيع منك الخيط والإبرة أما أنت فمن الظلمة انفسهم" وبيّن هذا الإمام الكبير بحق خطورة تحالف الحكام الطغاة وعلماء السوء على دين ودنيا الأمة .وهل افسد الدين إلا الملوك * وأخبار السوء ورهبانهاوهؤلاء العلماء أخطر على الأمة ومستقبلها من الحكام الطغاة وأعوانهم وأجهزتهم الأمنية. قال الغزالي رحمه الله " واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء فإن شرهم على الدين أعظم من شر الشياطين إذ الشيطان بواسطتهم يتدرج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق" وقال احد العلماء  رحمه الله " وعلماء زماننا شر من علماء بني إسرائيل يخبرون السلطان بالرخص وبما يوافق هواه ولو أخبروه بالذي عليه وفيه نجاته لاستثقلهم وكره من دخولهم عليه وكان ذلك نجاة لهم عند ربهم"  ، وقال بلال بن سعد كما حكاه عنه الأوزاعي رحمهما الله ينظر أحدكم إلى الشرطي فيستعيذ بالله منه وينظر إلى علماء الدنيا المتصنعين للخلق المتشوقين إلى الرئاسة فلا يمقتهم وهم أحق بالمقت من ذلك الشرطي." ومثل هؤلاء العلماء هم الذين يتخذهم الطغاة في البلاد الإسلامية مطية لتثبيت عروشهم وقهر شعوبهم باسم حراسة الدين من المتطرفين والعجيب الغريب أن هؤلاء الطغاة لا يتخذون من هذا الصنف المخذول مطية لإغراضهم فحسب بل يستغلون استغلالا بشعا بعض أقوال وفتاوى الصنف الأول والثاني من أهل العلم والمقاصد الحسنة بغير إذن منهم ولا إرادة منهم فكلما وجدوا فيها ما يخدم سياستهم الشيطانية باسم حماية الدين ومحاربة الفكر المتطرف ولكن دلت التجارب أن هؤلاء الطغاة الذين عطلوا أحكام الشريعة الإسلامية واستبدلوا بها غيرها وفضلوا القوانين الجاهلية على قوانين الإسلام لا يتخذون من علماء السوء صراحة مطية لهم فحسب بل يستغلون بعض أقوال وفتاوى الصنف الأول والثاني من أهل العلم وطلبته من ذوي المكانة العلمية والمقاصد الحسنة بعد نزعها من قياسها وبغير إذن منهم فيما يخدم أغراضهم الخسيسة ولذلك نرى أنه على مثل هؤلاء العلماء أن يستنكروا استغلال الحكام الطغاة لأقوالهم وبحوثهم وفتاويهم العلمية الصرفة وإخراجها عن قياسها قد استنكر فعلا بعض هؤلاء العلماء وطلبة العلم الشرعي تلاعب هؤلاء الطغاة وأذنابهم بأقوالهم وفتاويهم إخراجها عن سياقها ولكن ردودهم لم ترى النور والله المستعان وهذا من مكر هؤلاء الطغاة بالصنف الأول والثاني .     ولبيان بطلان هذه الفتاوى لا بد من ذكر بعض الأدلة الدالة على مشروعية المظاهرات ، مع ذكر شواهد من التاريخ الاسلامي :·          قاعدة ( الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نصا بتحريمها )
 المظاهرات لم يرد في الشرع ما يقتضي منعها او تحريمها  والأصل فيها الإباحة حتى يرد مانع ، وهي باقية على الأصل في المشروعية والإباحة ومن زعم الحرمة فعليه بالدليل . فالقاعدة الفقهية تقول : الأصل في الأشياء الإباحة . ويفهم من تلك  القاعدة الفقهية العظيمة ان الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا أتى ما يدل على تحريم ذلك الشيء ، وهذا يعم الأعيان والمنافع والمعاملات والأفعال و العادات ، وكل شيء الأصل فيه الحل ،  ولا يستثنى من هذه القاعدة إلا العبادات كما قال الناظم :والأصل في الأشياء حل وامنعِ *** عبادة إلا بإذن الشارعفالأصل في الأعيان الحل : فكل نبت أو حيوان في البر أو البحر فالأصل فيه الحل فيشرع أكله ما لم يقم دليل على حرمته ، و الأصل في المنافع الإباحة : فيجوز للإنسان الانتفاع بكل ما خلق الله في الأرض ما لم يرد دليل بحرمة هذا الانتفاع ، والأصل في الأعمال الحل إذا لم تكن عبادة : فكل فعل أو نشاط أو حركة الأصل فيه الإباحة ما لم يرد دليل بالمنع .·     عن ابن عباس رضي الله عنهما قال  فقلت: يا رسول الله ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا؟ قال:  بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق إن متم وإن حييتم قال فقلت ففيم الاختفاء؟ والذي بعثك بالحق لتخرجن، فأخرجناه في صفين: حمزة في أحدهما، وأنا في الآخر، له كديد ككديد الطحين حتى دخلنا المسجد، قال فنظرت إلي قريش وإلى حمزة فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق. وفرق الله به بين الحق والباطل
·     أخرج محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه بسند فيه إسحق ابن أبي فروة عن ابن عباس أنه سأل عمر عن إسلامه فذكر قصته بطولها وفيها أنه خرج ورسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين حمزة وأصحابه الذين كانوا اختفوا في دار الأرقم فعلمت قريش أنه امتنع فلم تصبهم كآبة مثلها، قال فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الفاروق .·     وروى أبو جعفر بن أبي شيبة نحوه في تاريخه من حديث ابن عباس، وفي آخره "فقلت يا رسول الله ففيم الاختفاء؟ فخرجنا في صفين: أنا في أحدهما، وحمزة في الآخر، فنظرت قريش إلينا فأصابتهم كآبة لم يصبهم مثلها .فدل تلك الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج بالصحابة في مظاهرة لإظهار قوة المسلمين وكثرة عددهم بعد إلحاح الصحابة على ذلك. قد ذكرت المظاهرات في معرض الوسائل التي اتخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لإظهار الإسلام، والدعوة إليه لما روي أن المسلمين خرجوا بعد إسلام عمر رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفين  لاظهاراً للقوة  على أحدهما حمزة رضي الله عنه، وعلى الآخر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولهم كديد ككديد الطحين حتى دخلوا المسجد.·         قال تعالى في الحديث القدسي:(( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا )·         دل الحديث على أن الظلم أمر محرم شرعا والأمر المحرم شرعاً يجب على الإنسان اجتنابه والبعد عنه ,بل ويجب على المسلم أن يبذل وسعه في عمل جميع الأسباب والوسائل المانعة منه والمعينة على اجتنابه, وتحريم الظلم يفيد وجوب العدل  وذلك لان تحريم الشي يفيد وجوب ضده.  والتظاهرات والاعتصامات السلمية  من اجل رفع الظلم والاعتراض عليه وفضح ممارسيه ومنعهم من الظلم ,من أهم الوسائل الحديثة المعينة على ذلك في العصر الحاضر فتكون مشروعة .·         المظاهرات ليست إلا عبارة عن اجتماع الناس من أجل مطالبة الإمام بحق مشروع أو الشكوى من ظلم موضوع ، والقائلون بمنع المظاهرات إما أن يقولوا بأن مطالبة الإمام بالحقوق ورفع المظالم أمر غير مشروع ، وإما أن يقولوا بأن اجتماع الناس وتجمهرهم غير مشروع ،  أما بالنسبة للمطالبة بالحقوق والمطالبة برفع الظلم فإن دور الإمام هو أداء حق الرعية ورفع الظلم عنها وهذا هو العدل الذي أمر الله به ولاة الأمر ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ) وهذه وصية من الله - عز وجل - لولاة الأمور أن يحكموا بين الناس بالحق المنزل من عنده تبارك وتعالى ولا يعدلوا عنه فيضلوا عن سبيله وقد توعد  الله  تعالى من ضل عن سبيله ،  وتناسى يوم الحساب ، بالوعيد الأكيد والعذاب الشديد ، ولا يمكن أن يكون أداء الحق ورفع الظلم واجبا على الإمام وفي الوقت نفسه يحرم على الناس رفع المظالم إليه ، فإذا كان المظلوم يحرم عليه التشكي والتظلم فكيف سيؤدى إليه حقه ؟·         ولما كانت المظاهرات عبارة عن اجتماع مجموعة من الناس من اجل هدف مشروع وغاية نبيله اما لطلب حقا او لدفع ظلما ، ولهذا فإن الاجتماع بهذا المعنى ليس ممنوعا شرعا بل هو عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى، فنحن نجتمع للصلوات الخمس في كل يوم ونجتمع لصلاة الجمعة والعيد والاستسقاء ، بل إن العبادات والقربات منها ما هو على شكل مسيرة مثل صلاة الجنازة وكما يحدث في الحج من توجه الجموع من الحجاج في وقت واحد إلى عرفات والإفاضة منه والتوجه إلى رمي الجمرات هذه كلها عبادات نتقرب بها إلى الله تعالى وكل من يشاهد هذه العبادات من غير المسلمين لا ريب أنه سيعتقد أن أصحابها خارجون في مسيرات أو تظاهرات لأنه لا فرق بينهما من حيث الشكل .فتجمع الناس وتحركهم في جموع كبيرة هو في ديننا أمر مشروع ولو كان ممنوعا لما كان قربة نتقرب بها إلى الله تعالى في عبادتنا .·         عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) رواه مسلماوجب  النبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم يرى المنكر أن ينكره بيده فإن لم يستطع إنكاره بيده فلينكره بلسانه فإن لم يستطع فلينكره بقلبه وهذه الدرجة من الإنكار اضعف الإيمان , لأنه لم يعد بعدها شي يمكن الإنكار به ، ومن هنا ندرك وجوب إنكار جميع المنكرات بالأول فالأول وهكذا.  وكل وسيلة يمكن الإنكار بها  دون ضرر مترتب عليها وهي غير محرمة فإنه يجب الإنكار بها،  فإذا كانت الوسيلة تحتاج عملا وحركة كانت من قبيل الإنكار باليد وذلك مثل المظاهرات والاعتصامات والإضرابات والعصيان المدني وغيرها . وان كانت تحتاج إلى الكلام والإبانة فهي من قبيل الإنكار باللسان كالمقالات والمناظرات والمحاورات ونحوها   وان لن يستطع المسلم ما له الا الانكار بالقلب ، وقد يتعذر في عصرنا الحديث استخدام الطريقه الاخيره وبذلك بسبب انتشار وسائل عده لانكار المنكرات ورفع الظلم عن المظلومين ونصرة اخوننا المسلمين على الظالمين بأي وسيلة ولو كلمة تكتبها في وسائل التواصل الاجتماعي ، ولا شك و لايب ان المنكرات الصادرة من الحكام والسلاطين من أهم المنكرات التي يجب أن يكون  إنكارها باليد ليكون ابلغ في الإنكار ولان ضررها أعظم واشد من غيرها . والإنكار باليد أقوى من الإنكار باللسان, مع أنه قد لايستطيع  الإنسان أن ينكر المنكر بلسانه لعدم قدرته على إيصال صوته لفاعل المنكر وقد لا يستطيع هو أصلا الوصول إليه فلا يستطيع أن يوصل إنكاره باللسان له كما هو حال الحكام في هذا الوقت والذي لايستطيع الإنسان أن يصل فيه إليهم , بل ولا إلى مدراء مكاتبهم , بل لايستطيع أن يقترب من المبنى الذي يمكن أن يتواجدون فيه يوماً من الأيام   فكيف يمكنه أن يخبره باعتراضه على هذا المنكر  إلا بالمظاهرات والاعتصامات والتي تدخل في مرتبة الإنكار للمنكر باليد وباللسان ايضا وهي من أعلى درجات الإنكار . أو نقول له إذا احتجب الحاكم عن رعيته فإنه يترك يأتي من المنكرات العامة ما شاء مهما أضر بالأمة  ولا ينكر عليه بالمظاهرات لأنه لم يمكن الإنكار عليه باللسان  فمن باب أولى الإنكار عليه باليد ، وهذا يدل على أن إنكار المنكر بالمظاهرات والاعتصامات  كالإنكار باليد واللسان بل قد يكون اوجب منهما لان الثمرة والنتيجة المتصورة من الإنكار بالمظاهرات اكبر واظهر  حيث إن المظاهرات والاعتصامات إن لم تلغي المنكرات نهائياً فإنها بلاشك سوف توقفها،  وبذلك ندرك أن المظاهرات تدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجميع أدلة وجوب إنكار المنكر تدل على وجوب بذل الإنسان وسعه في جميع الأساليب المشروعة لإنكار المنكرات وإزالتها  ومن تلك الأساليب المظاهرات والاعتصامات فهي واجبة أيضا .·         قال تعالى ( قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا يا موسى * فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى * قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى * فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى)
قصة موسى عليه السلام مع فرعون زمانه تحتاج لوقفة طويلة لما فيها من عجائب وغرائب وحكم وأحكام وعبر،  لقد ظن فرعون رمز الطغيان والاستبداد في الأرض إن موسى عليه السلام مجرد ساحر عليم يمكن قهره وكشفه أمام الجماهير، ومن مكر فرعون انه طلب من سيدنا موسى عليه السلام تحديد موعد للمحاجة والمناظرة (  فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى)  أي أراده فرعون تجمعا حاشدا رسميا بترخيص منه شخصيا ويكون في مكان يتسع لأكبر عدد من جماهير الناس وأن يكون مكانا ظاهرا بارزا مستويا وظن فرعون أن موسى عليه السلام سيهزم من هذا التحدي ويتراجع  ولكن سيدنا موسى عليه السلام الواثق بالله تعالى حدد مكان الموعد بدقة واختيار( قال موعدكم يوم الزينة وان يحشر الناس ضحى ) فقد كان بحق دقيقا في اختيار اليوم ليشهده أكبر عدد حرصا منه على نشر الدعوة على أوسع نطاق فاختيار اليوم"يوم الزينة" وهو يوم عيد أي يوم عطلة يوم يفرغ الناس من أعمالهم والضحى هو بداية اليوم قبل أن ينصرف الناس إلى أمورهم الخاصة  ، وكأنه خبير في فن التجمعات الجماهيرية التي تحقق أهدافها المرسومة وفعلا أخذ فرعون يحشد الناس من جميع المناطق قال ابن عباس رضي الله عنه في معنى حاشرين"هم أصحاب الشرط " أي الذين يحشرون السحرة من جميع المناطق وكذا الناس أي سائقين وجامعين والحشر في اللغة الجمع والسوق وهذا دليل على أن هذا التجمع الجماهيري تقوم به السلطة الفرعونية الرسمية "فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى" مثل تجمعات الحكام الطغاة في ليبيا واليمن وسوريا فقد أمر فرعون بجمع السحرة كما يأمر طغاة عصرنا بجمع علماء السوء لتخذير الشعوب وأمر بجمع الناس"وقيل للناس هل أنتم مجتمعون" ومن عادة الطغاة حشد الناس للتعالي عليهم ( فحشر فنادى فقال انا ربكم الأعلى )  . قال الطبري رحمه الله "فجمع قومه وأتباعه فنادى فيهم ، قال صرخ وحشر قومه فنادى فيهم فلما اجتمعوا  ( قال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى)  وقال ابن الجوزي رحمه الله في معنى ( فاجعل بيننا وبينك موعدا )  أي :  اجعل بيننا وبينك موعدا مكانا نتواعد لحضورنا ذلك المكان ولا يقع منا خلاف في حضوره ، وكلنا يعرف نتيجة هذا التجمع الحاشد الذي قصده الناس من سائر مدائن مصر وكلنا يعرف كيف قابل فرعون الهزيمة بالبطش والتنكيل والقتل الذي طال السحرة الذين آمنوا برب هارون وموسى عليهما السلام.·         عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما نزلت ( وانذر عشيرتك الأقربين )  صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا فجعل ينادي يا بني قهر يا بني عدى – لبطون قريش – حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك، ألهذا جمعتنا؟ فنزلت تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب )موقف رسول الله صلى الله علية وسلم في الدعوة إلى هذا التجمع الذي حضره المؤمن والكافر المساند والمعارض شبيه بالتجمع الحاشد الذي دعا إليه نبي الله تعالى يحي بن زكريا عليه الصلاة والسلام كما جاء في الحديث الصحيح مما يدل على أن وسائل الدعوة والتبليغ لا يشملها النسخ إلا بدليل خاص، فيحي بلغ دعوته في مكان ورسول الله صلى الله عليه وسلم بلغ دعوته من فوق رأس الجبل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله سبحانه وتعالى أمر يحي بن زكريا عليه السلام بخمس كلمات ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها وأنه كاد أن يبطئ بها فقال له عيسى عليه السلام إن الله تعالى أمرك بخمس كلمات لتعمل بها وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحي أخشى إن سبقتني بها أن يخسف بي وأعذب فجمع (يحي) الناس في بيت المقدس فامتلأ المسجد وقعدوا على الشرف فقال إن الله تبارك وتعالى أمرني بخمس كلمات أن أعملهم وآمركم أن تعملوا بهن……" الحديث.
- الرسول صلى الله عليه وسلم نفذ أمر ربه تبارك وتعالى بغير طلب ترخيص أو إذن من سادات قريش الذين كانوا يمثلون السلطة الحاكمة يومها. - إن الله تبارك وتعالى أمره بتبليغ الدعوة ولم يحدد له الوسيلة والطريقة ولم يحدد له مكان التبليغ مما يدل على أن الأصل في الوسائل الإباحة إلا ما حرم بنص قطعي، قال ابن القيم رحمه الله "فإن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي قامت به الأرض والسموات فإن ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه بأي طريق فثم شرع الله" وقال شيخه ابن تيمية رحمه الله " قد بين سبحانه بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل بين عباده وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين ليست مخالفة له"
·         قصة هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة وطريقة استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدل على مشروعية التظاهر لاستقبال من له مكانة في الأمة . لم يقل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم أن تعودوا لمثل هذا التظاهر وبما أن تأخر البيان عن وقت الحاجة لا يجوز فأنتم في هذه المرة معذورون بالجهل ومن الآن فصاعدا فإن أي تنظيم لمسيرات أو تجمعات لاستقبال صاحب مكانة فإن ذلك يعد بدعة وضلالة !!!  هدف المسيرة والتجمع استقبال الرسول صلى الله عليه وسلم تعبيرا عن المساندة والمناصرة. مشروعية مشاركة المرأة في التظاهر شريطة الانفصال بمكان خاص عن الرجال .·         في الحديث الصحيح أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو جاره فقال له "اذهب فاصبر" فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال "اذهب فاطرح متاعك في الطريق" فجعل الناس يمرون ويسألونه فيخبرهم خبر جاره، فجعلوا يلعنونه فعل الله بك وفعل وبعضهم يدعو عليه فجاء إليه جاره فقال ارجع فإنك لن ترى مني شيئا تكرهه".·         وفي رواية جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال "إن لي جار يؤذيني قال انطلق فأخرج متاعك إلى الطريق" ففعل فاجتمع عليه الناس يقولون ما شأنك؟ فجعل يقول جاري يؤذيني فجعلوا يقولون اللهم العنه اللهم أخزه فبلغه ذلك فأتاه فقال ارجع إلى منزلك فو الله لا أوذيك أبدا . فدل الحديث ان الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه الرجل عن الاحتجاج في الشارع لهدف دنيوي. ولم يقل له إن ذلك من سبيل اليهود والنصارى بل الرسول الأكرم هو الذي أذن له بالضغط على الظالم بالشارع .·         أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب بالمهاجرين والأنصار رضي الله عنهم فقال : ( أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ماذا كنتم فاعلين وكرره فلم يجيبوا فقال بشر بن سعد ‏:‏ والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناك بسيوفنا ، فرد عمر قائلاً : الحمد لله الذي جعل في أمة محمد من يقوم عمر بسيفه ، وقال : لا خير فيكم إن لم تقولوها ، ولا خير فيّ إن لم أسمعها ) .·         كان  الإمام أحمد رحمه الله كان يفتي بأن يجتمع الناس لإنكار المنكر للتهويل والتشهير بالمنكر وأهله ، فقــد روى الخلال في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن محمد بن أبي حرب قال : سألت أبا عبد الله عن الرجل يسمع المنكر في دار بعض جيرانه ، قال : يأمره , قلت : فإن لم يقبل قال : تجمع عليه الجيران وتهول عليه .·         وقال الإمام عبد الرحمن بن أبي بكر  الخلال الحنبلي في كتابه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص201 والمقصود انه كان من عادة السلف الإنكار على الأمراء والسلاطين والصدع بالحق وقلة المبالاة بسطوتهم إيثاراً لإقامة حق الله سبحانه على بقائهم واختيارهم لإعزاز الشرع على حفظ مُهَجهم واستسلاماً للشهادة إن حصلت لهم ) وقال : ( يجوز للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يعرض نفسه للضرب والقتل إذا كان لأمره ونهيه تأثير في رفع المنكر أو كسر جاه الفاسق أو تقوية قلوب أهل الدين ) .

وفي الختام نسال الله عز وجل ان يجعل عملنا خالصا لوجه الكريم ، فإن اصبنا فإنه من الله المنّان وان اخطنا فمن انفسنا ومن الشيطان ، وأي ملاحظة او تعليق على الموضوع نرجو منكم التواصل عن طريق  التوتير  @welcom  او عن طريق البريد الالكتروني ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى اله صحبه اجمعين .


هناك تعليقان (2):

  1. مهلا أخي أبو أحمد اني قد قرات كلامك لعلي أظغر بدليل واحد يدل على ما ذكرته في عنوانك اذا أكثر الادلة في واد والموضوع في واد اخر والقلة المتوحشة بينها مما له علاقة لا زمام لها ولاخطام لم تذكر من أخرجها ولا من صححها وقد جانبت الصواب في هذه المسالة واليك الحق ان كنت من طلابه نسال الله أن يهدينا واياك الى الصواب ويهمنا الرشد

    ردحذف
  2. يكفيك هذا الحديث قال ابن ابي العاصم في السنة حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ ، قَالَ : قَالَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ لِهِشَامِ بْنِ حَكِيمٍ : أَلَمْ تَسْمَعْ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْصَحَ لِذِي سُ
    لْطَانٍ فَلا يُبْدِهِ عَلانِيَةً ، وَلَكِنْ يَأْخُذُ بِيَدِهِ فَيَخْلُوا بِهِ ، فَإِنْ قَبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ ، وَإِلا كَانَ قَدْ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ " . وصححه الشيخ الالباني رحمه الله

    ردحذف